جدیدترین مطالب

تحدّث الدكتور علي رضا صدرا في ندوة «آفاق الفلسفة السياسية المتعالية» فقال: ليس لدينا شيء اسمه انسان محض بل لدينا انسان سياسي. الانسان المحض هو التجريد و الانسان السياسي هو الانسان الواقعي. من هنا يمكن القول بأنّ الحقيقة هي أنّ الفلسفة المجرّدة هي فرع من الفلسفة السياسية التي لها الأصالة و هي ترتبط بالحياة الواقعية. الفلاسفة الذين تطرّقوا إلى الفلسفة السياسية هم الذين خلّدوا حياتهم العلمية على مدى التاريخ.

وتابع الدكتور صدرا عضو الهيئة العلمية في جامعة طهران حديثه بحضور عدد من الباحثين من معهد العلوم السياسية التابع لأكاديمية العلوم و الثقافة الإسلامية قائلاً:

إنّ الحكمة المتعالية هي حكمة مرتبطة بالسياسة و إنّ الحركة الدستورية و الثورة الإسلامية كلتاهما ثورتان صدرائيّتان تأثّرتا بالحكمة المتعالية، لا بل حتى الشيخ الأعظم الأنصاري قد تأثّر في فقهه بالرؤية الصدرائية المتعالية. و يعتبر زعماء ثورة الدستور من الناحية الفلسفية الشرّاح العقليين للحكمة الصدرائية و قد استمرّت هذه المسيرة حتى الإمام الخميني.

ودائماً مع الدكتور صدرا الذي قال: يمكن أن نقول عن الحكمة المتعالية الصدرائية بأنّها حكمة متعالية سياسية حيث تتبلور الرؤية السياسية فيها عبر إطار فلسفي، و إنّ الجوانب النظرية فيها بارزة. بيد أنّنا عندما نقول بأنّ الحكمة السياسية المتعالية تلامس بشكل كبير نظريات الإمام الخميني، نعني بذلك أنّ التعاطي مع الحكمة يتمّ عبر ممرّ السياسة، و تبرز الجوانب العملية فيها واضحة جلية، من هنا يحمل الإمام الخميني رؤية استراتيجية و هداية الأمة. طبعاً مع التأكيد على الأصل الصدرائي للحكمة السياسية المتعالية و جذورها العريقة.

وحول الرؤية المستقبلية، أكّد المتحدّث بأنّها مزيج من عنصري الشروط و الظروف و الحقوق و المقتضيات، و في الواقع إنّها التوفيق بين الظروف و الإمكانات. فعندما يتمّ طرح الرؤية المستقبلية يتبادر إلى الذهن موضوع الخيار و المقتضيات الإنسانية، بعبارة أخرى صورة الحجم النظري لظاهرة.

وبالنسبة لتحدّي الرؤية قال الدكتور صدرا بأنّها التحقّق الموضوعي و العيني و مجموعة من الفرص و التهديدات التي ينبغي الإحاطة بها. في الماضي كان الحديث عن الخيرات و الشرور و موضوع الإرادة و الجبر. لا بدّ لنا أن نسعى إلى تحويل التهديدات و الأخطار إلى فرص ما أمكننا ذلك، و الموضوع المطروح هو تبديل الشرور إلى الخيرات. حتى لو لم نتمكّن من تبديل الشرور و التهديدات إلى الخيرات و الفرص بشكل كامل، يجب على الأقل أن نسعى للتقليل من الأضرار و الأخطار. إنّ موضوع التحديات و الرؤى المستقبلية يعني التعرّف على الفرص و الأخطار ثم تبديل الأخطار و التهديدات إلى فرص.

ثمّ بعد ذلك طرح الدكتور صدرا رئيس قسم البحوث في معهد الحقوق و العلوم السياسية في جامعة طهران، طرح السؤال: لماذا يُطرح اليوم موضوع الحكمة السياسية المتعالية و نتجسّد موضوعية الدين من جديد، ما هو الخلل الذي أصاب النظام المعرفي ليطرح مرّة أخرى؟ و يجيب عن سؤاله فيقول: السؤال يُطرح عندما يستشعر نقص أو قصور و عدم انسجام، هذه الأجواء هي التي تستوجب طرح الأسئلة الجديدة، لقد حقّق الإنسان في القرون الماضية تقدّماً هائلاً على صعيد التنمية المادية. و لكن بالنظر إلى أنّ الإنسان مخلوق ذو بعدين فهو يحتاج إلى الراحة و الاستقرار في ظلّ طرح الموضوعات المعنوية. بعض العلماء مثل ليفي شتراوس رصد هذه النقطة في المجتمع الغربي فأخذ ينزع إلى البحوث المعنوية و القيمية، فليس الإنسان بجسم مجرّد و لا هو بروح خالية، بل يجب الاعتناء بكلا البعدين بنفس المقدار، حتى نصل إلى نقطة التوازن، إنّنا نلاحظ اليوم إرهاصات معنوية عميقة بدأت تطفو على السطح في المجتمع الغربي.

وذكر الدكتور صدرا بأنّ الحكمة الصدرائية تنادي بالاهتمام بالارتقاء المادي و المعنوي و الروح و الجسم على صعيد واحد، و قد استطاع الإمام الخميني من تحقيق هذا الأمر و الجمع بين الاثنين. إنّ التحدي الرئيسي الذي يواجهنا اليوم هو الفاعلية نحن بحاجة إلى عقيدة تعمل على تحويل النظريات إلى استراتيجية. لدينا مشكلة في الهياكل و الاستراتيجيات، لكن في الأسس و النظريات فلا توجد مشكلة، إنّنا نشكو من انخفاض التوظيف و التأثير، ذلك على الرغم من التاريخ المشرق لإيران في هذا المجال، إلا أنّ المشكلة هي في الفاعلية. يجب ترميم المفاهيم و إعادة صياغتها و تحديثها، و الاستعانة بها في حلّ المشاكل. إنّ إعادة تأهيل هذه العقيدة و تبديلها إلى بعد تطبيقي سنتمكن من حلّ مشكلة الفاعلية. لا يمكن بناء هيكل دون أساس فلسفي و معرفي. يمكن للحكمة المتعالية أن تزوّدنا بهذه الإمكانية و تؤسّس نظاماً فلسفياً لقضايانا.

وتواصلت الندوة بعد ذلك بأن طرح الحاضرين بعض الأسئلة على المتحدّث. خلال إجابته على بعض الأسئلة ذكّر الدكتور صدرا بأنّ الإمام الخميني لم يؤسّس لفلسفة جديدة و إنّما بسط حدود الجانب العملي للحكمة المتعالية.

كما أكّد الدكتور صدرا بأنّ السؤال المطروح هو هل لدينا في الواقع أو العالم الخارجي انسان أم انسان سياسي؟ و أعاد مقولته بأنّه لا يوجد لدينا انسان محض في الواقع بل انسان سياسي. فالانسان المحض تجريد و انتزاع بينما الانسان السياسي هو الحقيقي و الواقعي. من هنا بإمكاننا طرح السؤال التالي: هل الأصالة للفلسفة السياسية أم الفلسفة البحتة؟ في جوابنا يجب أولاً أن نذكر بأنّ الفلسفة المحضة لا أصالة لها و أنّ الفلسفة السياسية هي التي تتعاطى مع حياة الإنسان السياسي و هي التي تلامس الحياة الواقعية للإنسان. فالفلاسفة الذين تطرّقوا إلى الفلسفة السياسية هم وحدهم الذين استطاعوا أن يخلّدوا سيرتهم العلمية على طول التاريخ و ليس الفلاسفة المجرّدين.

يشار إلى أنّ هذه الندوة تأتي في سلسلة ندوات الفلسفة السياسية المتعالية و ضمن الندوات التحضيرية لمؤتمر السياسة المتعالية من منظار الحكمة المتعالية.

نوشتن دیدگاه


تصویر امنیتی
تصویر امنیتی جدید