جدیدترین مطالب

عضو الهيئة العلمية و رئيس معهد العلوم السياسية في أكاديمية العلوم الإنسانية و الدراسات الثقافية: لقد تلقّف الناس في القرن الثاني عشر الحركة العلمية التي كان صدر الدين الشيرازي قد نظّر لها في عصر الصفوية.

أفاد الموقع المعلوماتي لأكاديمية العلوم و الثقافة الإسلامية بأنّ الدكتور محمد علي فتح اللهي قد شارك في ندوة الأسباب السياسية و الاجتماعية لإقبال الناس على الفلسفة الصدرائية في القرن الثاني عشر التي عقدت برعاية معهد العلوم السياسية، و ألقى فتح اللهي كلمة في الندوة قال فيها: لأولئك الذين يشكّكون بوجود علاقة بين الموضوعات السياسية و الاجتماعية و بين الفلسفة، أقول بأنّه للوهلة الأولى يسود الاعتقاد بإنّ هذه الموضوعات غير مرتبطة ببعضها، و الشيء الواضح أنّه لم يتمّ شرح هذه الموضوعات بصورة جيدة، ذلك أنّ الفلسفة و المعرفة أحد أبعاد حياة الإنسان، و هي بالتالي معنية بسائر أبعاد حياته الأخرى.

وأضاف: إنّ هذا الارتباط و إن كان ليس من النمط الإنتاجي، فهو انعكاس للوضع السياسي الاجتماعي من منظار الفلسفة. و عليه، فإنّ هذا الارتباط يقينا من السقوط في شَرَك الارتباطات الإنتاجية و كذلك من التصرّف و التدخل، كما أنّه يجيب على مسألة عدم الارتباط، علاوة على أنّه يمكننا ملاحظة المؤسسة الاجتماعية و مختلف العلاقات بين المؤسسات الاجتماعية في هذا الارتباط.

وأكّد عضو الهيئة العلمية و رئيس معهد العلوم السياسية في أكاديمية العلوم الإنسانية و الدراسات الثقافية: في التاريخ الإسلامي نلاحظ و جود مجتمع الخلافة، و لم يكن هناك مجال للنشاط الاجتماعي إلاّ ما ندر، مجتمع الخلافة هو مجتمع راكد إلى حدّ ما، لم تشهد الأنظمة الاجتماعية في إطاره تحوّلاً يُذكر، و قد لعب الخليفة في ذلك المجتمع دور المانح للشرعية، حيث و قف عائقاً في و جه تحرّك الشريعة أيضاً، و لا سيّما فقه أهل السنة، خصوصاً إذا ما أخذنا بالاعتبار تأثير الحرية المطلقة في بداية الأمر، و من ثمّ القيود التي فرضت فيما بعد، من هنا فإنّ نمط رؤية العلماء إلى المجتمع الراكد يكون له تأثير.

وتابع المتحدّث قائلاً: إنّ الطابع الحضري الذي نتسّم به يختلف عن الآخرين و خاصة أرسطو، و نحن نعتقد بأنّ مواهب الإنسان تزدهر في ظلّ المجتمع، أمّا النظرة الأرسطية فهي تنسجم مع جهاز عصر الخلافة، فطيلة خمسة قرون من استمرار الخلافة، لم تتغيّر نظرة الخليفة كثيراً، يقول ابن سينا بأنّ الإنسان مخلوق اجتماعي، و يمكن أن نطرح هذه المقولة بصيغة أخرى فنقول ليست الحياة الحضرية هي من باب الضرورة فقط، بل لأنّها تستبطن الكمال، فالإنسان لكي يكمّل نفسه، يحتاج إلى المجتمع، فنظرة الركود الاجتماعي هي النظرة التي ميّزت عصر الخلافة، و هي علامة على الركود و غياب الديناميكية، فقه أهل السنة هو من النمط الدنيوي، و نظام مشروعيته هو نظام دنيوي أيضاً، و من رحم هذه النظرة أيضاً تخرج الرؤى الفلسفية.


واستطرد هذا الباحث الحوزوي كلمته بالقول: إنّ النظرة إلى طبيعة العلاقة بين الروح و الجسم نابعة من هذه النظرة، من و جهة نظر ابن سينا، فإنّ الجسد ميّت، و الروح حيّة و نابضة، و العلاقة بين الروح و الجسم، هي علاقة بين المادة و الصورة،المادة التي عثرت على صورتها، نوع من الثنوية، إلاّ أنّها نظرة يمكنها أن تمنح ارتباطاً أوثق بين الجسم و الروح بالقياس إلى أفلاطون، و مع ذلك تظلّ الروح ضيف الجسم. و من هنا تنبثق المشكلة مع مسألة المعاد الجسماني، حيث يقال بأنّ المعاد هو روحاني، و القبول بالمعاد الجسماني هو من باب التعبّد، هذه الرؤية هي بفعل التأثّر بمجتمع ذلك العصر.


ولا يزال الكلام للدكتور فتح اللهي الذي قال: لا يمكن أن نعثر على الروح و الحقيقة الحيّة في الأنظمة الاجتماعية، فالروح من منظار ابن سينا، لا يمكنها أن تؤسّس ارتباطاً و ثيقاً مع الجسم، لذا فإنّ طريق الكمال هو ارتباط الإنسان بالأنظمة السماوية، فهذا النوع من الأنظمة الاجتماعية لا يمكنه أن يوجد ارتباطاً مع السماء، فالجسم في مجتمع ذلك العصر غير حيّ، كما أنّ الروح في تلك الأنظمة غير موجودة، فالروح يمكنها أن ترتقي و تصل إلى الكمال في إطار مقامات العارفين و ارتباط الإنسان بربه، و لكن لا نجد ذلك الارتقاء و الكمال في الأنظمة الاجتماعية نفسها، و ليس بإمكان هذه الأنظمة الاجتماعية من إقامة هذا الارتباط.


هذا النمط من الرؤية تجاه موضوع الروح و الجسم متأثّر بالأنظمة الاجتماعية، ليس بإمكان الروح أن ترتبط مع الأنظمة الاجتماعية. لكن لم يستمر الوضع على هذا الحال، حيث يبدأ النقاش من هذه النقطة أي مسألة مقامات العارفين، ينبغي الاعتراف بأنّ قصب السبق كان للعرفاء و المتصوفة، فالفرق الصوفية انتشرت و ازدادت اجتماعيةً يوماً بعد آخر، فظهر موضوع الفتوة في هذه المرحلة، بحيث أجبرت جهاز الخلافة على الاتحاد معها، فالخليفة العباسي الناصر بالله قد تأثّر بهذه المسألة، فيرتدي هو نفسه خرقة الفتوة، فيقدّم نفسه باعتباره رئيس الفتوة آنذاك، ظنّاً منه بأنّ ذلك سيقوّي أركان خلافته.


وأضاف: لصدر الدين الشيرازي رأي آخر في مسألة علاقة الروح بالجسم، حيث لا يرى انفصام هذين العنصرين، حيث يعتقد طبقاً لمبدأ الحركة الجوهرية التي تقول بأنّ الطبيعة و المادة تتحول إلى روح، لا أن تأتي الروح من مكان آخر و تلتصق بالجسم، إنّ تركيبة جسم الإنسان لا تتألّف من عنصرين، فالمادة و الصورة التي يمتلكهما الإنسان ليستا هويّتان أو عنصران مختلفان، بل نفس المادة تحوّلت إلى صورة، هذا تحليل جديد عن علاقة المادة بالصورة، حيث يتحوّل الجسم إلى روح، و في الحقيقة، إنّه بهذا التحليل يجمع بين الحياة الدنيوية المادية و بين الحياة المعنوية الإلهية، بالنسبة للمجتمع أيضاً بإمكانه أن يكون موجوداً مقدساً، ينظّم الحياة الدنيوية للإنسان، و على أيّ حال، فإنّ الفيلسوف يستلهم من الحوادث و الوقائع التي يشهدها المجتمع.

وتابع عضو الهيئة العلمية و رئيس معهد العلوم السياسية في أكاديمية العلوم الإنسانية و الدراسات الثقافية تصريحه قائلاً: في العصر الصفوي كان الشاه إسماعيل يعتقد بأنّ الروح منفصلة عن الجسم، و لم يكن يقبل بأنّها نتاج الروح، و بالنتيجة فكان يعتقد بأنّ الحكم و السلطنة دون شأنه، في حين أنّ صدر الدين الشيرازي قد فهم المسألة بشكل أدقّ، ذلك أنّه إذا تمّ تنظيم المجتمع بصورة صحيحة، فسيفيض حينئذ بالملكوت و المعنوية و الروح، و على المجتمع أن يكون روحانياً و مقدساً، كان الشيرازي يعتبر الروح جسمانية الحدوث و روحانية البقاء، و كذلك المعاد يمكن أن جسمانياً، ذلك الجسم البرزخي، و قد تبلور المعاد الجسماني من خلال فكر الشيرازي، ذلك أنّ العالم خيال موجود و أنّ المجرد أمر نسبي هذه الأفكار قد تبلورت عند الشيرازي في إطار نظرته إلى المجتمع في ذلك العصر و التحوّلات الاجتماعية السائدة آنذاك، ليس المجتمع بمنعزل عن أفراده و تحوّلاته، إنّ فكرة عالم الخيال للمجتمع و العلاقة بين السماء و الأرض التي يمكنها أن تنظّم حياتنا اليومية، هي بالتأكيد فكرة موفقة في الفقه الشيعي.

في القرن الثاني عشر اكتسب الفقه أهمية كبيرة، حيث كان الفقيه في العصر الصفوي بمثابة استاذ الجامعة و قد تحوّل الفقهاء إلى مراجع للتقليد. من منظار الناس، كان الشاه الصفوي إنسان هبط من الأعلى، و كان بمثابة العالم الديني الذي يدير شؤون المجتمع، ذلك أنّ العلماء في تلك الفترة لم يكن لهم أي تقديس حتى تكون هذه المسألة مختلفة في القرن الثاني عشر، و تتغيّر منزلتهم، لقد كان تحوّلاً جديداً طرأ في القرن الثاني عشر، و كانت له أبعاداً جديدة.

وختم الدكتور فتح اللهي كلمته بالقول: باختصار لقد تلقّف الناس في القرن الثاني عشر الهجري الحركة العلمية التي كان صدر الشيرازي قد نظّر لها في العهد الصفوي، و يبدو أنّ سرّ الإقبال على الملا صدرا في القرن الثاني هي هذه المسألة، فلم يُفهم الملا صدرا في عصره، و لكن في القرن الثاني عشر، أقبل الناس عليه بكثافة، فطرحت جانباً الفلسفة المشائية و مسألة انفصال الروح عن البدن، و هنا يكتسب موضوع الأخبارية و الأصولية أهميته.

نوشتن دیدگاه


تصویر امنیتی
تصویر امنیتی جدید